Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مشروع الدستور الجديد لتونس يسعى إلى الدفع نحو نهوض اقتصادي

تشريعات جديدة ستعزز الخدمات الرقمية وتدعم انتاج الطاقة وتسهيل الاستثمار

تسعى تونس التي تواجه أزمة مالية، للوصول إلى اتفاق بشأن قرض من صندوق النقد بقيمة 4 مليارات دولار (رئاسة الحكومة التونسية)

مع اقتراب موعد الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد في تونس، في 25 يوليو (تموز) المقبل، أعلن صندوق النقد الدولي في بيان نُشر الأربعاء 22 يونيو (حزيران)، أنه يرحب ببرنامج الإصلاحات الاقتصادية الذي أعلنته الحكومة التونسية هذا الشهر، مضيفاً أنه جاهز لبدء مفاوضات مع تونس في الأسابيع المقبلة حول برنامج قرض.
وتسعى تونس التي تواجه أزمة مالية، للوصول إلى اتفاق بشأن قرض من صندوق النقد بقيمة 4 مليارات دولار في مقابل حزمة إصلاحات لا تحظى بقبول شعبي لتعزيز ماليتها العامة المنهكة.
ويأتي بيان صندوق النقد بعد زيارة قام بها جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد، الذي اجتمع مع الرئيس التونسي قيس سعيد ورئيسة الوزراء نجلاء بودن.
ونقل البيان عن أزعور قوله إنه "في ظل التداعيات الحادة للحرب في أوكرانيا، تصبح الحاجة إلى سرعة تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الطموحة أكثر إلحاحاً".
ومن بين الاصلاحات التي اقترحتها الحكومة التونسية، تجميد الأجور في الوظائف العامة والشركات المملوكة للدولة إضافة إلى خفض دعم الغذاء والطاقة.
وانضم الحزب الدستوري الحر، الذي تشير استطلاعات الرأي المحلية إلى تقدمه بفارق كبير على خصومه في حال إجراء انتخابات، إلى الاتحاد العام التونسي للشغل في رفض الإصلاحات الاقتصادية التي طالب بها "صندوق النقد".
ونفذ "اتحاد الشغل"، الذي يضم نحو مليون عضو، إضراباً الخميس الماضي، تسبب في شلل في البلاد رفضاً لخطط الإصلاح الاقتصادي الحكومية، ليزيد الضغط على الرئيس سعيد مع تصاعد المعارضة لحكمه وتفاقم الأزمة الاقتصادية.

مشروع الدستور الجديد

وتسلم سعيد الاثنين (20 يونيو) نسخة من مشروع دستور تونس الجديد من العميد الصادق بلعيد، رئيس "الهيئة الوطنية من أجل جمهورية جديدة" بعد الانتهاء من أعمالها.
ويفترض أن يوافق سعيّد على مشروع الدستور قبل عرضه على استفتاء في 25 يوليو (تموز) المقبل، في الذكرى الأولى لقرار الرئيس تعليق عمل البرلمان وإقالة الحكومة السابقة.
وأشار سعيد إلى أن مشروع الدستور هذا "ليس نهائياً" وأن "بعض فصوله قابلة للمراجعة والمزيد من التفكير" وفق البيان الرئاسي.
ويُفترض أن يوافق سعيد على المشروع بحلول 30 يونيو الحالي، آخر مهلة لنشره بالجريدة الرسمية، قبل عرضه على الاستفتاء في 25 يوليو.
وقال عميد المحامين إبراهيم بودربالة الذي رأس إحدى اللجان (اللجنة الاستشارية الاقتصادية) التي شاركت في "الحوار الوطني" حول مشروع الدستور، إنه ينص على أن "رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية". ويُفترض أن يستبدل الدستور الجديد، دستور عام 2014 الذي أنشأ نظاماً مختلطاً كان مصدر نزاعات متكررة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وبعد أشهر من الانسداد السياسي، أعلن سعيّد الذي انتُخب في نهاية عام 2019 تولّي كامل السلطات التنفيذية والتشريعية في 25 يوليو 2021، وأقال رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي وعلق نشاط البرلمان قبل أن يحله في مارس (آذار) 2022.
وفي خريطة طريق وضعها لإخراج البلاد من أزمتها السياسية، قرر سعيد إجراء استفتاء على تعديلات دستورية في 25 يوليو المقبل، قبل إجراء انتخابات تشريعية في 17 ديسمبر (كانون الأول) من هذا العام.
وسُلم سعيد مشروع الدستور الجديد فيما يتعرض لانتقادات شديدة وواسعة من المعارضة المستبعَدة من "الحوار الوطني" الذي نظمه، والتي تتهمه إياه بالسعي إلى الحصول على نص مصمَم بطريقة تناسبه والشروع في اعتماد نظام رئاسي متسلط.

مثار جدل

ولئن لم يُكشف عن فحوى وتفاصيل مشروع الدستور الجديد في تونس تصاعدت المواقف المعارضة له، بخاصة من الطيف السياسي المعارض لقرارات الرئيس، معتبرين أن النسخة الجديدة، ووفق تسريبات، "تمهد لحقبة سوداء" من وجهة نظرهم، "سترسخ الحكم الأحادي في البلاد وتكريس حكم رئاسي" يذكرهم بحقبة حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي (23 سنة).
وفي موازاة تصاعد موجة الرفض، تصاعد الجدل في تونس بشأن دسترة الجوانب الاقتصادية في مشروع الدستور الجديد بين مَن يرى ضرورة في إعطاء مساحة أكبر للجانب الاقتصادي في مشروع الدستور الجديد وبين مَن يشدد على أن الجانب الاقتصادي لا يمكن أن يحتل مساحة كبيرة بل يجب اقتصاره على بعض المفاهيم والمبادئ الاقتصادية.
وأكد العميد الصادق بلعيد، رئيس "الهيئة الوطنية من أجل جمهورية جديدة"، أن "الدستور الجديد يجب أن يكون منارة لسياسة تنمية للبلاد لتحقيق النمو والعدالة وترسيخ دولة القانون"، لافتاً إلى أن "الخاصية التي ستميز الدستور الجديد هي أنه سيكون دستوراً اقتصادياً بعد أن كان دستور 2014 دستوراً سياسوياً".

الباب الأول للاقتصاد

وكشف محمد صالح العياري، عضو اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية لإعداد مشروع الدستور الجديد، عضو المجلس الوطني للجباية، أن "مشروع الدستور الجديد سيركز على الجانب الاقتصادي ويخصص له أحكاماً وفصولاً مهمة مقارنة مع دستور 2014". وأضاف أن "تضمين البعد الاقتصادي في الدستور المقبل سيؤسس إطاراً مرجعياً للتشريع في عدد من الجوانب الخصوصية المهمة على غرار الاقتصاد الرقمي ما سيلزم المشرع والمؤسسات بأخذ ذلك بعين الاعتبار".
وأعلن العياري أن "الباب الأول من مشروع الدستور الجديد، بعد التوطئة، سيكون مخصصاً للجانب الاقتصادي تحت عنوان أسس النهوض بالاقتصاد"، ما يترجم وفق رأيه، "الأهمية التي سيوليها المشروع الجديد للملف الاقتصادي".
وعن الخطوط العريضة للباب الأول من مشروع الدستور، أفاد المتحدث ذاته بأن "المبادئ العامة التي سيرتكز عليها المشرع عند إصداره القوانين الاقتصادية تتعلق بالمشاكل الاقتصادية التي عانت منها تونس في العقد الأخير وفي مقدمها الإشكاليات المتصلة بدفع الاستثمار ما نجم عنه تعطل خلق الثروة وفرص العمل".
كما تطرق إلى مبدأ "تحرير المبادرة الخاصة بإعطاء حرية أكبر للمشرع في إلغاء التراخيص وتعويضها بكراسات الشروط"، معتبراً أن "تونس عانت كثيراً من القيود الإدارية التي كبحت المبادرة الخاصة".
وكشف العياري أيضاً أن "الخطوط العريضة للباب الأول لمشروع الدستور الجديد لتونس سيركز على العدالة الضريبية كمدخل رئيس للعدالة الاجتماعية".
وفسر في هذا الصدد أن "الضغط الضريبي في تونس مرتفع ويتراوح بين 25 و35 في المئة ما أرهق الأجراء وأصحاب الشركات".
وتمر تونس منذ سنوات عدة بأعنف أزمة اقتصادية عبر تاريخها، بتراجع معظم مصادر دخلها وتدهور المالية العامة. وفاقمت خطورة الوضع تداعيات أزمة "كوفيد 19" وزادت عليها تأثيرات الحرب الروسية- الأوكرانية، ما ضاعف الصعوبات الاقتصادية للبلاد العاجزة في الظرف الراهن عن تحقيق نسب نمو تساعدها على حل أزمة البطالة.

تحرير القطاعات التنافسية

أما عضو المكتب التنفيذي لمنظمة الأعراف "كونكت" أصلان بن رجب فأبرز من جانبه أن "المنظمة اقترحت خلال أشغال اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية التنصيص على حرية المبادرة والمنافسة في الدستور الجديد مع إحداث مجلس اقتصادي واجتماعي يكون له دور استشاري في المسائل القطاعية". وأضاف أن "كونكت تعتبر أن أي ميدان يتضمن جانباً تنافسياً يجب أن يُفتح لحرية الاستثمار والمبادرة"، لافتاً إلى أن "المبادئ الاقتصادية العامة توضع في الدساتير".
ويتذمر العديد من الفاعلين الاقتصاديين في تونس من كثرة الإجراءات الإدارية المُعيقة لتطوير الاستثمار بسبب طول الإجراءات وتعقدها ما جعل العديد منهم ينفرون من هذه الوضعية ويختارون الاستثمار في دول أخرى مجاورة على غرار المغرب رافضين تعطيل مشاريعهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


السياسات الاقتصادية والدساتير

وفي تعليقه على دسترة المسألة الاقتصادية في مشروع الدستور الجديد، شدد عميد "كلية الحقوق والعلوم السياسية" بتونس، مصطفى بن اللطيف، على "وجوب الاكتفاء بإدراج بعض المبادئ الاقتصادية العامة في الدستور الجديد من دون الإكثار من القواعد القانونية ذات الصبغة الاقتصادية". وأوضح "إذا استثنينا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كجيل من أجيال حقوق الانسان، يمكن في الدستور أن نضع بعض الثوابت لا أكثر ولا أقل نظراً لأن الجانب الاقتصادي هو بالضرورة مسألة سياسات عمومية وخيارات متحركة بطبعها ولا يمكن أن تكون أصناماً جامدة في الدستور لعشرات السنين".
ويرى المتحدث أن "الدساتير التي تتضمن حمولة اقتصادية تستند إلى حمولة أيديولوجية"، مشيراً الى أهمية معرفة "علام يتعين التنصيص في الدستور من قواعد، بشكل لا يقيد ولا يكبل حرية النشاط الاقتصادي ومن دون أن ننشط من دون ثوابت عامة".
في المقابل، رحَب بن اللطيف ببعض ما ورد في مسودة الأحكام الاقتصادية التي قد يتضمنها الدستور الجديد وذلك باعتبار أن "المسألتين الاقتصادية والاجتماعية، على غرار إيجاد فرص عمل، تُعدان من محركات النمو وخلق الثروة".

القطيعة مع منوال تنموي

ولم يختلف موقف أحمد الكرم، عضو اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية لإعداد مشروع الدستور، عن موقف بقية المختصين في "ضرورة تضمين الدستور الجديد مبادئ ومفاهيم اقتصادية جديدة من شأنها أن تكرس القطيعة مع دستور 2014".
وأكد "ضرورة القطيعة مع منوال الدولة الراعية لكل شيء وتضمين ذلك في الدستور الجديد حتى يحظى بالموافقة". وقال الكرم، إن "هذا المنوال أثبت فشله وبات يشكل خطراً على الديمقراطية التي يجب إنقاذها عبر تضمين جملة ترتيبات وأحكام اقتصادية واضحة في الدستور الجديد تقطع مع الماضي".

ولفت إلى أن "الدولة تمتص 42 في المئة من الناتج الداخلي الخام مقابل 22 في المئة في عام 2010، ما يعني تغولها على حساب القطاع الخاص"، منتقداً "ارتفاع المديونية العمومية بشكل مخيف بحوالي 110 مليارات دينار (35.4 مليار دولار)". وأشار في تحليله لأهمية إدراج مفاهيم اقتصادية بارزة في الاقتصاد ودسترة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إلى الصعود اللافت لنسب الفقر في تونس وعمل حوالى 5 ملايين تونسي أعمالاً غير منظمة.
وعبّر في هذا الصدد عن تخوفه من "الخطر الذي يتهدد الديمقراطية الاقتصادية"، التي قال، إنه "يجب دسترتها في مشروع الدستور الجديد".
وأتى موقف أحمد الكرم أيضاً متناغماً مع موقف محمد صالح العياري بوجوب تضمين مشروع الدستور لمبادئ ترسخ التركيز على الاقتصاد الرقمي والذهاب أكثر في التقنيات الحديثة للاتصال والإعلام والتكنولوجيات المتطورة، علاوة على اقتراح إدراج مسائل تهتم بالطاقات المتجددة والنظيفة.

ولاحظ في هذا الصدد أن المعدل العالمي لإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة وصل إلى 30 في المئة مقابل 3.7 في المئة في تونس التي تتمتع بنحو 300 يوم مشمس.

الدستور جامد والاقتصاد متحرك

في المقابل، عارض أستاذ القانون الدستوري الصغير الزكراوي، مسألة دسترة الاقتصاد معتبراً إياها ليست أولوية.

واعتبر أن "الاقتصاد متحرك ومتغير لكن الدستور جامد يوفر الاستقرار لفترة 30 أو 40 سنة" مقترحاً "إمكانية التنصيص على المبادئ العامة والحقوق الحريات، لكن دسترة الاقتصاد التضامني والمنوال التنموي فهذا غير مقبول".
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس التونسي أكد أن مشروع الدستور "ليس نهائياً" وأن "بعض فصوله قابلة للمراجعة ومزيد من التفكير".