Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان الأول عالميا في تضخم أسعار الغذاء

وفق تقرير البنك الدولي الذي يأتي فيما يسعى المواطنون إلى التكيف مع الأزمة

لا ينفصل ما يعيشه لبنان لناحية الصعوبات في تأمين المواد الأساسية عن أزمة شح النقد الأجنبي (رويترز)

لم يأتِ تقرير البنك الدولي بجديد بالنسبة إلى كثير من اللبنانيين، فتصنيف البلاد في صدارة قائمة تضخم أسعار الغذاء هو تأكيد منهجي لمشاعر الحيرة التي بات يعيشها المواطن والمقيم لناحية المفاضلة بين نوعية الغذاء أو كميته. ولم يعد خافياً على أحد أن اللبنانيين شهدوا نهاية مرحلة الرفاهية، لتبدأ مرحلة التكيف مع الواقع الاقتصادي السيئ. فإن تلك القائمة التي نشرها البنك الدولي أعادت طرح السؤال عن هشاشة الأمن الغذائي في ظل حالة العجز المطلق التي يعيشها الفاعلون في الحياة العامة اللبنانية، فيما بدأت الأزمة الروسية - الأوكرانية ترخي بظلالها على عمليات التوريد، بعد أن قرر قضاء العجلة في لبنان الاستجابة إلى إخبار السفارة الأوكرانية لناحية اتهام السفينة "لوديسا" بحمل حبوب مسروقة من بلادها على يد الجانب الروسي، قبل أن تتراجع القاضية عن قرارها والسماح للسفينة بمتابعة سيرها نحو طرطوس السورية، وهو ما أثار مخاوف من زيادة الضغوط الدولية على لبنان في ظل مد وجزر الحرب الروسية - الأوكرانية.

أين الغذاء من الأزمة المركبة؟

لا يمكن فصل ما يعيشه لبنان لناحية الصعوبات في تأمين المواد الأساسية عن أزمة شح النقد الأجنبي في ظل اقتصاد مدولر يعتمد على الاستيراد من الخارج، إذ يعاني المواطن في تأمين وجبة طعام متوازنة وصحية. ولاحظ تقرير البنك الدولي الذي حمل عنوان "لبنان: تقرير مراجعة المالية العامة، مخطط تمويل بونزي؟"، "فشل في المكونات الأساسية للعقد الاجتماعي كما يتضح من ضعف وتراجع جودة الخدمات العامة الأساسية في قطاعات المياه، والكهرباء، والنقل، والصحة، والتعليم، والحماية الاجتماعية". ويلفت إلى أن "رتفاع معدلات التضخم أدى إلى انخفاض حاد في القوة الشرائية لرواتب موظفي القطاع العام (على سبيل المثال لا الحصر)".

وعليه، فإن لبنان أمام سلسلة من الأزمات لا تنفك الواحدة عن الأخرى، ويأتي الغذاء والصحة نتيجة مباشرة لسلسلة الانهيارات. وبحسب تصنيف البنك الدولي لأكثر 10 دول تعاني التضخم في أسعار الغذاء، جاء لبنان في المرتبة الأولى، متقدماً على زيمبابواي، وفنزويلا، وتركيا، وإيران، وسريلانكا، والأرجنتين، وسورينام، وإثيوبيا، ومولدوفا، وسجلت البلدان العشرة نسبة تضخم فاقت 30 في المئة.

وكان من اللافت جرس الإنذار الذي تطلقه الخريطة التمثيلية لنسب التضخم حول العالم، فقد سجلت الأكثرية العظمى من دول العالم تضخماً في أسعار الغذاء تراوحت بين 5 و30 في المئة في الأميركتين وأوروبا وأفريفيا، فيما شهدت أقلية من الدول نسبة تضخم منخفض بين 2 و5 في المئة، كالسعودية وأستراليا والصين. وعليه، فإن تقرير البنك الدولي الصادر في نهاية يوليو (تموز) 2022، هو مؤشر على أثر حالة اللااستقرار سياسياً وعسكرياً في العالم.

لبنان ليس بخير

يقول نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي إن "التضخم في الأسعار هو الحالة العامة في العالم، وليس حكراً على لبنان". ويضيف أن "احتساب التضخم والغلاء على أساس العملة الوطنية يؤدي إلى أرقام مغلوطة، وقد أسهم ذلك في تعزيز موقع لبنان ضمن الأسوأ، بالتالي لا بد من توحيد المعايير بين الدول لاستكشاف التضخم بشكل عام"، لافتاً إلى أنه "لو تم الاحتساب بناء للسعر بالدولار لكان تصنيف البلدان قد اختلف".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشير بحصلي إلى أن أكثرية السلع في لبنان مستوردة من الخارج والسلع على القيمة الفعلية بالدولار لم ترتفع، بل إنه وفي حال أجرينا مقارنة بين سعر السلعة نفسها بين لبنان وبلدان أخرى قد تكون أرخص في بعض الأحيان ضمن لبنان. والسلع لم تختفِ حالياً في لبنان بسبب ما تبقى من احتياطات الدولار، وتلك التي تحول من الخارج لتغذية الخزانة، بحسب بحصلي، جازماً بأنه "كلما تمكنا من تأمين العملة الأجنبية، سنبقى قادرين على تأمين حركة الاستيراد، وليترك القطاع الخاص يعمل وهو قادر على تأمين الاحتياجات".

ورداً على سؤال عن "عدم إمكانية نفي وطأة الأزمة على اللبناني والعجز عن تأمين السلع الأساسية والطعام؟"، يؤكد بحصلي أن "هناك فارقاً بين سعر السلعة وإمكانية الحصول عليها، وقدرة الدولة على دعم الفرق بين السعر وجعلها في متناول العموم". من هنا، يعتقد بحصلي أن هناك صعوبات في تأمين السلع الأساسية على المستوى العالمي، ولكن من المبالغ فيه الحديث عن تهديد الإنسان في غذائه والوصول إلى مجاعة، لأن هناك ملايين الأطنان من الحبوب عالقة في الإهراءات بسبب الحرب في أوكرانيا، ففي تلك البلاد ما زال هناك 20 مليون طن من الحبوب العالقة التي يجب تصريفها من إنتاج السنة الماضية، ويتوقع أن تنتج أوكرانيا 50 مليون طن جديدة. ويأسف بحصلي لعدم وجود أرقام واضحة عن حجم الاقتصاد اللبناني وأوضاع البلاد لأن الاقتصاد قائم على الدفع النقدي، ونستمر في تقدير المداخيل والنفقات، مما يجعل التنبؤ بالمستقبل في خانة الصعوبة.

عناصر الأمن الغذائي العالمي

يحدد بحصلي ثلاثة عناصر للأمن الغذائي: وجود الغذاء لناحية الزراعة والإنتاج بعيداً من مشكلات المناخ والجفاف، إمكانية الوصول إلى الغذاء من دون عقبات كالحروب أو نقص المال لشرائه، إضافة إلى صحة الغذاء وجودته. من هنا، فإن أي خلل يصيب العناصر الثلاثة يتسبب في عرقلة انتظام سلاسل التوريد. وينوه بحصلي إلى أن أسعار الحبوب تأثرت عالمياً بسبب غلاء الشحن، والنفط، والأزمات العالمية، لافتاً إلى "أننا أمام عام اعتيادي لناحية الإنتاج والحصاد، وهناك قمح بكميات كبيرة، وقد تراجعت أسعاره نسبياً"، كما أن الوصول إلى حل لمشكلة خروج الحبوب من أوكرانيا، سيسهم في حلحلة الأزمات التي تتداخل فيها السياسة مع الاقتصاد.

ويتطرق بحصلي إلى أزمة رغيف الخبز في لبنان، وهو من آخر السلع المدعومة، وقد قامت الدولة باقتراض 150 مليون دولار من أجل تأمين القمح، مشيراً إلى أن الاستهلاك لن يقتصر على اللبنانيين، وإنما سيشمل جميع المقيمين. وتؤكد التجارب استمرار تهريب السلع المدعومة إلى الخارج. من هنا، فهو يعتقد أن الدعم الممول من ودائع الناس هو حق للفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة وضعفاً، بالتالي فإن الدعم يجب أن ينصب على تأمين الدولة الخدمات والسلع الأساسية للمواطنين من أجل الاستمرار على قيد الحياة.

محاولة كبح الأسعار بما تيسر

يؤكد مدير عام الحبوب في وزارة الاقتصاد اللبنانية جريس برباري أن محاولات الحد من ارتفاع الأسعار تحصل بما أمكن للوزارة، مشيراً إلى وجود أنواع عدة من الصعوبات التي تواجه هذه العملية، البعض منها يتصل بقلة عدد المفتشين، إذ "لا يتعدى عدد الموظفين والمفتشين المكلفين الكشف على 18 مطحنة وعلى الأفران، أصابع اليد الواحدة، فكيف لهؤلاء القيام بكل ما عليهم؟".

يضيف برباري، "نحاول العمل قدر الإمكان، ولكن ظروف العمل تزداد صعوبة في ظل غلاء المحروقات. أما الأسباب الأخرى فتعود إلى عدم توافر الدولارات والنقد الأجنبي في خزانة الدولة، بالتالي فإن تأمين الأموال للدعم بات أمراً في غاية الصعوبة"، لافتاً إلى أن "الرغيف بات الملاذ الأخير للمواطن اللبناني الذي أصبح عليه شراء كل السلع وفق سعر السوق الحرة المدولر"، ومشيراً إلى أن "الدعم بات يقتصر على 36 ألف طن من القمح من أجل تأمين 28 ألف طن طحين لصناعة الخبز".

ويقول برباري إن "من شأن قرض البنك الدولي الذي تبلغ قيمته 150 مليون دولار تأمين الدعم لطحين الخبز العربي حصراً"، موضحاً أن "المبلغ كان يكفي لمدة ستة أشهر تقريباً، ولكن مع تراجع الأسعار عالمياً بات يكفي لمدة 9 أشهر". ويقر بأن "ذلك سيؤجل الأزمة ولن يشكل حلاً لها"، لذلك يعتقد أن "على الدولة إيجاد بدائل من الآن. وإلى ذلك الحين، وقد تكون على شكل تفعيل البطاقة التمويلية ومنحها للمواطنين، أو تأمين الخبز"، لافتاً إلى "أننا على طريق ترشيد الدعم، وصولاً إلى تحرير السوق إلى حد بعيد".