Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تفتت التوترات الجيوسياسية أكبر التكتلات الاقتصادية في العالم؟

حركة التجارة تتراجع وسط قتامة الأفق وصندوق النقد: مخاوف الأمن القومي قد تتفوق على الفوائد المشتركة

قبل أيام خفضت منظمة التجارة العالمية تقديراتها بشكل حاد في ظل الاضطرابات الدولية القوية (أ ف ب)

كشف تقرير حديث عن أن التوترات الجيوسياسية التي يشهدها العالم في الوقت الحالي أثارت احتمالية أن تتفوق المنافسة الاستراتيجية ومخاوف الأمن القومي على الفوائد الاقتصادية المشتركة للتجارة العالمية.

وأشار صندوق النقد الدولي في دراسة بحثية حديثة إلى أن الاعتماد المتبادل بين الاقتصادات يعني أن مثل هذا الاحتمال سيكون مكلفاً للغاية، بخاصة بالنسبة لدول آسيا. فعلى سبيل المثال يأتي نحو نصف الواردات في الولايات المتحدة الأميركية والثلث في أوروبا من دول آسيوية عدة. وبدورها تمثل البلدان الآسيوية ما يقرب من نصف الطلب العالمي على السلع الأساسية.

وفي أحدث تقرير عن آفاق الاقتصاد الإقليمي لآسيا والمحيط الهادئ قام صندوق النقد الدولي بتوثيق العلامات المبكرة المقلقة للتجزئة، مشيراً إلى عدد من الأدلة على العواقب المحتملة لتفكيك روابط التجارة العالمية.

تقليص معدلات الاستثمار عالمياً

وقبل أيام خفضت منظمة التجارة العالمية تقديراتها بشكل حاد في ظل الاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية الدولية القوية، وباتت تتوقع تباطؤاً حاداً في التجارة العالمية خلال عام 2023 الذي ينتظر أن يسجل على رغم ذلك نمواً طفيفاً.

وقالت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونغو إيويالا عند تقديم التوقعات "لقد أصبحت صورة 2023 قاتمة إلى حد كبير".

وأضافت "الاقتصاد العالمي يواجه أزمات متعددة الأبعاد. تشديد السياسة النقدية يلقي بثقله على النمو في قسم كبير من العالم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورجحت المنظمة نمو حجم التجارة السلعية العالمية بنسبة 3.5 في المئة خلال عام 2022، وهو رقم أعلى قليلاً من الزيادة التي توقعتها في أبريل (نيسان) عند مستوى ثلاثة في المئة، كما تتوقع نمواً بنسبة واحد في المئة لعام 2023، وهو رقم تراجع بشكل حاد مقارنة بالتقدير السابق البالغ نحو 3.4 في المئة.

في الوقت نفسه تأتي إحدى علامات ضغوط التجزئة من مقاييس عدم اليقين في السياسة التجارية، فقد ارتفع هذا الإجراء عام 2018 وسط التوترات بين الولايات المتحدة والصين، والتي زادت مرة أخرى وسط الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث أدت العقوبات المفروضة على روسيا إلى حال من عدم اليقين في شأن العلاقات التجارية المستقبلية.

وحتى من دون قيود فعلية، يمكن أن يؤدي عدم اليقين في السياسة المتعلقة بالتجارة إلى تفاقم النشاط الاقتصادي، حيث توقف الشركات التوظيف والاستثمار، وقد تقرر الشركات الجديدة تأجيل الدخول إلى السوق.

وأظهرت الدراسة أن الصدمة النموذجية لحال عدم اليقين في شأن السياسة التجارية، مثل تراكم التوترات بين الولايات المتحدة والصين عام 2018، تقلل الاستثمار بنحو 3.5 في المئة بعد عامين، كما تقلل الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.4 في المئة وترفع معدل البطالة بمقدار نقطة مئوية واحدة. ومع ذلك، ليس كل شخص ضعيفاً بالقدر نفسه.

وأشارت إلى أن التأثيرات على الاستثمار أكبر بالنسبة إلى الأسواق الناشئة والاقتصادات الأكثر انفتاحاً والشركات ذات الديون المرتفعة.

وازدادت ديون الشركات بشكل كبير في آسيا منذ الأزمة المالية العالمية، حيث ارتفعت بشكل أكبر في أعقاب الوباء، مما يشير إلى أن عدم اليقين المتزايد في شأن السياسة التجارية قد يكون ضاراً بشكل خاص بالمنطقة.

خسائر كبيرة في الإنتاج العالمي

وعلى رغم سوء هذه الآثار، فإن الخسائر ستكون أكبر في ظل التجزئة الفعلية. فعلى خلفية نمو الإنتاجية الفاتر في جميع أنحاء العالم، وبالنظر إلى أهمية التجارة على وجه الخصوص في آسيا، قدر الصندوق خسائر الإنتاج من تجزئة التجارة بسبب انخفاض الإنتاجية. وذكر أنه من المسلم به أن هذه الخسائر تمثل حداً أدنى لأنها لا تأخذ في الحسبان قنوات مثل تأثيرات انخفاض مخزون رأس المال بسبب تقلص الاستثمار والاضطراب المحتمل لتدفقات المعرفة.

وأشار الصندوق إلى أن سيناريو التجزئة الذي يرجحه هو السيناريو الذي يتم فيه قطع التجارة بين الكتل التجارية في القطاعات التي شهدت أخيراً زيادة في القيود مثل الطاقة والتكنولوجيا، وحيث يتم رفع الحواجز غير الجمركية في القطاعات الأخرى إلى مستويات حقبة الحرب الباردة. وللقيام بذلك ولأغراض توضيحية بحتة تم تقسيم الكتل على غرار تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس (آذار) 2022 الذي يطالب روسيا بإنهاء حربها على أوكرانيا.

وأوضح أنه إذا تم عزل روسيا فقط عن الدول التي صوتت لصالحها، فإن خسائر الإنتاج للاقتصاد العالمي ستكون صغيرة. ومع ذلك تصبح الخسائر أكبر بشكل ملحوظ في ظل سيناريوهات أكثر سلبية مثل سيناريو تقسيم العالم إلى كتلتين، مع تقييد التجارة بين الدول المؤيدة وتلك التي تعارضها أو تمتنع عن التصويت.

وتقدر الخسائر السنوية العالمية الدائمة بنحو 1.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مع خسائر أكبر في بلدان آسيا والمحيط الهادئ بأكثر من ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعكس الدور الرئيس الذي تلعبه التجارة في المنطقة. وتكون الخسائر أكبر في البلدان التي تكبر فيها التجارة مع الكتلة الأخرى بسبب فقدان أسواق التصدير وانقسام شبكات الإنتاج المعقدة.

ومع تفكك التجارة وتلاشي التخصص ستكون هناك تداعيات خطرة على أسواق العمل في تلك القطاعات التي أجبرت على الانكماش بسبب القيود التجارية المرتفعة، ويقدر متوسط ​​خسائر التوظيف في البلدان الآسيوية بما يصل إلى سبعة في المئة، في حين ركزت هذه النتائج على التجارة وتتجاهل أي آثار للانهيار المحتمل للروابط المالية التي من المؤكد أنها عميقة جداً أيضاً، فقد يؤدي التجزؤ المالي إلى كلفة قصيرة الأجل من حل سريع للمراكز المالية، وكلفة طويلة الأجل من انخفاض التنويع وتباطؤ نمو الإنتاجية بسبب انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر.

وشدد صندوق النقد على أن المخاطر كبيرة، ويتعين على صانعي السياسات من آسيا وخارجها العمل على تجنب الآثار الضارة الناجمة عن زيادة التشرذم ولضمان أن تظل التجارة محركاً للنمو، كما يجب أن يكون التراجع عن القيود التجارية الضارة وتقليل عدم اليقين من خلال التواصل الواضح لأهداف السياسة من الأولويات.

وأوضح أن استكمال الاتفاقات الإقليمية بالإصلاحات على المستوى متعدد الأطراف، مع استعادة نظام تسوية المنازعات الخاص بمنظمة التجارة العالمية، لا يمكن أن يخفف من الآثار السلبية المحتملة للسياسات التمييزية على الشركاء التجاريين الآخرين فحسب، بل يساعد أيضاً في حل بعض المصادر الأساسية للتوترات.