Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يصمد اقتصاد تونس من دون قرض "النقد الدولي" في 2024؟

متخصصون يرون أن البلاد قادرة على تجاوز شروط "الصندوق" رغم التحديات

توقعات للبنك الدولي بتباطؤ النمو الاقتصادي للبلاد إلى 1.2 في المئة في 2023 (أ ف ب)

ملخص

بإمكان البلاد التحكم في عجز الميزان التجاري على إثر تأمين واردات القمح والنفط بالتفاوض مع روسيا والجزائر على أسعار تفاضلية

في ظل تمسك تونس بمواقفها تجاه مطالبة المؤسسات المالية العالمية (صندوق النقد والبنك الدوليان) بوجوب إجراء الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية الضرورية للخروج من أزمتها المالية، يعتقد عديد من المتخصصين في شأن البلاد الاقتصادي، أن تونس صمدت نسبياً في عام 2023 أمام الحظر المالي الدولي، ويرى عديد منهم أن البلاد قد تدخل العام المقبل بأريحية مالية على إثر تسديدها جزءاً كبيراً من ديونها الخارجية مما سيعطيها متنفساً وهامشاً للقيام بالإصلاحات التي اشترطت المؤسسات أن تكون نابعة من الداخل وليست وفق شروط صندوق النقد الدولي، لكن في المقابل هل سيواصل الاقتصاد التونسي صموده معولاً على تحويلات المغتربين وتعافي القطاع السياحي اللذين أنقذا اقتصاد البلاد في ظل موسم فلاحي كارثي وتواصل الجفاف للعام الثالث على التوالي، وبخاصة عدم التعويل على القروض الخارجية والانفتاح أكثر على مصادر التمويل الخارجية؟

الصمود ممكن

في مستهل الإجابة عن التساؤل، رأى المتخصص المالي بسام النيفر أن عدم لجوء تونس إلى صندوق النقد الدولي يظل قراراً سيادياً داخلياً لن تتراجع عنه بمعنى رفض البلاد قطعياً تدخل الصندوق لفرض بعض الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية وفي مقدمتها رفع الدعم والتقليص من كتلة الأجور، وبين أن صندوق النقد الدولي لن يختص تونس بإصلاحات خاصة بها، وهو الذي يعامل كل الدول المنخرطة به على قدم المساواة، ملاحظاً أن تونس أوقفت تقريباً التعامل مع الصندوق، وأن العلاقة صارت فاترة بشكل كبير بدليل أن البلاد لم تحصل على القرض المالي المتفق في شأنه على مستوى الخبراء في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) 2022 بقيمة 1.9 مليار دولار.

وعما إذا كان سيصمد الاقتصاد التونسي من دون التعويل على مساعدة صندوق النقد الدولي، أوضح بسام النيفر أن هذه المسألة ممكنة ولكن ببعض الشروط، لافتاً إلى أن حاجة تونس هي حاجة مالية بالأساس تتمثل في ديون خارجية، بينما سيمنح صندوق النقد جزء من هذه الديون وفق شرائح على عديد السنوات، ولفت إلى أنه في حال الوصول إلى اتفاق مع الصندوق فإن تونس ستحصل بموجبه في العام الأول على 500 مليون دولار، مستدركاً أن البلاد بإمكانها أن تجني عائدات قياسية من موسم تصدير زيت الزيتون التونسي واصفاً إياه بـ"الذهب الأخضر" بقيمة خمسة مليارات دينار (1.6 مليار دولار) علاوة على عائدات القطاع السياحي المتعافي وتحويلات المغتربين التي سجلت أرقاماً قياسية في السنوات القليلة وبخاصة استعادة قطاع الفوسفات لنسق التصدير وتحقيق عائدات مالية محترمة.

وحول التونسيون المغتربون إلى بلادهم خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي 5.7 مليار دينار (1.9 مليار دولار)، وهو مبلغ قرض صندوق النقد الدولي نفسه على أربع سنوات، في مقابل عائدات قطاع السياحة بقيمة تعادل 5.8 مليار دينار (1.9 مليار دولار) وفق بيانات رسمية أفصح عنها البنك المركزي التونسي، وأضاف النيفر أن بإمكان تونس مزيد من التحكم في عجز الميزان التجاري أفضل في العام المقبل، إثر تأمين واردات القمح والنفط بثقلهما في تركيبة الميزان التجاري التونسي من خلال التفاوض مع روسيا، وبخاصة الجزائر على أسعار تفاضلية تمكن من مواجهة تحديات 2024.

الإسراع في اتخاذ التدابير

وقالت مديرة صندوق النقد الدولي كريسيتالينا غورغييفا إن "الوضع الاقتصادي في تونس مضطرب"، وأضافت، في مقابلة مع "بلومبيرغ" منذ يومين، "اقتصاد مضطرب آخر في شمال أفريقيا لكنه أقل خطورة من مصر"، وتابعت مديرة صندوق النقد الدولي أن "تونس لا تزال في حاجة إلى إجراءات عاجلة لاستكمال الترتيبات المتعلقة بحزمة إنقاذ قيمتها 1.9 مليار دولار من البنك"، وأوضحت غورغييفا أن إعادة هيكلة الديون ليست مطلوبة لأن البلاد ليست في وضع خطر بعد، وأفادت مع ذلك بأنه كلما أسرعت الدولة في اتخاذ بعض التدابير لتعزيز وضعها المالي، وتعزيز أدائها الاقتصادي العام، كان ذلك أفضل.

حوكمة منظومة الدعم

وعرج بسام النيفر على شروط صندوق النقد الدولي ومطالب إصلاح منظومة الدعم (دعم المواد الأساس والكهرباء والمحروقات) مبرزاً أن هذه المسألة حسمت بتأكيد رئيس الدولة عدم المساس بهذه المنظومة حفاظاً على السلم الأهلي والمقدرة الشرائية للتونسيين.

ولكنه شدد على وجوب حوكمة منظومة الدعم بحسن التصرف في مسالك التوزيع وتوجيه المنتجات المدعمة (الزيت النباتي والعجين الغذائي والخبز وقوارير الغاز وغيرها) إلى مستحقيها الحقيقيين وليس التجار مستنتجاً أنه في حال إحكام التوزيع بإمكان تونس أن تقلص من خسائر الدعم في حدود 30 في المئة مما يعود بالنفع إلى ميزانية الدعم.

وبخصوص شرط صندوق النقد الدولي التحكم في كتلة الأجور، أوضح بسام النيفر أن تونس ستنهي عام 2023 بأقل من واحد مليار دينار (333 مليون دولار) مما هو مضمن في قانون الموازنة هذا العام بسبب عدم إقرار زيادات في الأجور إلى جانب قرار "الغربلة" في عديد الموظفين في القطاع العام مما قد ينجم عنه التخلص من أعباء إضافية في كتلة الأجور، وكشف عن أنه، خلال الفترة ما بين 2022 و2027، سيغادر زهاء 100 ألف موظف تونسي الوظيفة بسبب الإحالة إلى التقاعد ولن يقع تعويضهم مما سيخفف بشكل مهم وملحوظ هامش في كتلة الأجور على رغم أن هذه الوضعية الجديدة ستخلق إشكالية في الصناديق الاجتماعية.

حلول للتنمية

واعتبر بسام النيفر أنه في حال نجحت تونس في إيجاد حلول للموازنة ستبقى إشكاليات التنمية التي يفرضها صندوق النقد وخصوصاً البنك الدولي بالسعي إلى منح قروض لتحقيق النمو المستدام على المدى المتوسط والطويل.

ويتعلق الأمر بالنسبة إلى المتحدث، بتحقيق النمو المطلوب، بوجوب إصلاح التشريعات والقوانين المرتبطة ببيئة الأعمال وتيسير الإدارة التونسية وتخليصها من التحجر والتكلس مؤكداً أن هذه التحسينات لا تتطلب الحصول على قروض داخلية أو خارجية وإنما قرارات سياسية جريئة وقوية من أجل خلق الديناميكية المطلوبة للقطاع الخاص.

غياب الإصلاحات

وحذر البنك الدولي في آخر تقرير أن "توقعات النمو يمكن أن تكون أقل إذا لم تتخذ تونس إجراءات حاسمة في ما يتعلق بالموازنة ونظامها الضريبي" وأن تخفض توقعات النمو للفترة 2023- 2024، وتابع "إذا توصلت تونس إلى تجاوز حالة الجفاف والصعوبات المرتبطة بالتمويل الخارجي فإن بإمكانها تحقيق نسبة نمو تناهز ثلاثة في المئة في 2024 وفي 2025".

وذكر البنك الدولي في تقرير أصدره تحت عنوان "تحقيق التوازن... الوظائف والأجور في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عند وقوع الأزمات"، أن الاقتصاد التونسي تباطأ "بشكل ملحوظ" مقارنة بأدائه في 2021 و2022، وخفض البنك من توقعاته للنمو في تونس إلى 1.2 في المئة في 2023 مقابل توقعات في حدود 2.3 في المئة، تقدم بها، في يونيو (حزيران) 2023، مشيراً إلى أن آفاق البلاد "تتسم بدرجة عالية من عدم اليقين".

وبحسب المؤسسة المالية الدولية، فإن ذلك يعكس "الظروف الصعبة المرتبطة بالجفاف خصوصاً، بالنسبة إلى القطاع الفلاحي والشكوك الدائرة حول تمويل الدين وتباطؤ تنفيذ الإصلاحات الهيكلية".

واعتبر البنك الدولي أنه في ظل غياب اتفاق مالي مع صندوق النقد الدولي وغياب التمويلات الخارجية، بسبب الظرف العالمي غير المؤكد، تبقى الوضعية المالية العمومية والحساب الخارجي لتونس "هشة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، أكد البنك الدولي أن عجز الموازنة سيتقلص إلى مستوى 5.6 في المئة من الناتج الداخلي الخام في 2023 مقابل عجز بـ6.6 في المئة في 2022 مفسراً ذلك بتراجع دعم الطاقة وكتلة أجور أقل وزيادة العائدات الجبائية، وستحتاج البلاد من التمويل، بحسب المؤسسة الدولية، زيادة بنسبة 16 في المئة من الناتج الداخلي الخام في 2023 مقابل 12.6 في المئة في 2022 تبعاً لعملية سداد الدين الخارجي.

ومن شأن عجز الحساب الجاري التراجع إلى أربعة في المئة من الناتج الداخلي الخام (مقابل 8.6 في المئة في 2022) بفضل أداء قطاع السياحة.

من جهته، رأى أستاذ الاقتصاد بـ "الجامعة التونسية" أرام بلحاج أن كل رفض الإملاءات صندوق النقد الدولي أو الاتحاد الأوروبي أو أي شريك له علاقة مباشرة بتمويل الموازنة هو قرار يدعم السيادة الوطنية، وقال "وجب إيجاد بدائل جدية لمجابهة الصعوبات المالية التي تمر بها البلاد" موضحاً أن البدائل المطروحة على المدى القريب تتصل بإيجاد تمويلات خارجية بعيداً من المعسكر الغربي، واللجوء أكثر فأكثر إلى التمويل الداخلي، بخاصة من طريق البنوك علاوة على الضغط على البنك المركزي للانخراط في تمويل موازنة الدولة.