Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة الأمن الغذائي تتفاقم في أفريقيا وسط اضطراب التجارة

التوترات الجيوسياسية تدفع بصعود الأسعار والملايين في القارة تحت خط الفقر

دول أفريقيا تنفق غالب عائدات صادراتها على استيراد الغذاء ومع ارتفاع الفاتورة يتعرض ملايين من الأفارقة للجوع (أ ف ب)

ملخص

مئات الملايين في أفريقيا يعانون انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد نتيجة ضيق مساحات الزراعة وعدم توفر المياه

مع تصاعد التوترات الجيوسياسية في مناطق مختلفة من العالم، وما يصاحبها من عقوبات اقتصادية، يمتد التأثير السلبي إلى أبعد من الأطراف المعنية، ويضر أكثر بالدول النامية والفقيرة. تشير أرقام المؤسسات والمنظمات الدولية إلى أن الدول الأكثر تضرراً، بخاصة في ما يتعلق بالأمن الغذائي لسكانها، هي دول قارة أفريقيا، وبحسب أحدث تلك البيانات المتاحة، من منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) وغيرها من المنظمات الدولية والمؤسسات الخيرية، تضاعف عدد من يعانون انعدام الأمن الغذائي في القارة الأفريقية بنحو الضعفين (1.7 مرة) في السنوات الـ10 الأخيرة. وتجاوز عدد سكان أفريقيا الذين يعانون 262 مليون نسمة، من بينهم 11.1 مليون نسمة في دول شمال أفريقيا، لكن الرقم بالنسبة إلى سوء التغذية أكبر بكثير، ويصبو إلى 890 مليون نسمة، أي نسبة 60 في المئة تقريباً من سكان القارة، يعانون "نقصاً حاداً في الأمن الغذائي".

كتب نيكيتا بانين من مركز الدراسات الأفريقية الروسي مقالاً، حول استعداد روسيا للمساعدة في تنمية برامج ضمان الأمن الغذائي للقارة، ربما في سياق سعي موسكو إلى تجاوز العقوبات الغربية بتطوير الشراكة مع مناطق أخرى، لكن المقال الذي نشرته موقع "روسيا توداي" تضمن كماً هائلاً من البيانات والأرقام والإحصاءات يشير إلى أزمة الغذاء المتفاقمة في أفريقيا.

مع تركيز الإعلام على عرقلة سلاسل الإمدادات خلال أزمة وباء كورونا، وتأثير التضخم العالمي على توفر الأغذية في الغرب ومحيطه، لم يلق الضوء بصورة كافية على معاناة الدول التي لا تحظى غالباً باهتمام إعلامي في أفريقيا وآسيا.

نمو سكاني أعلى من الموارد

تشهد دول قارة أفريقيا في السنوات الأخيرة تغيرات ديموغرافية واضحة مع معدلات زيادة سكانية كبيرة، ومن المفارقات التي تظهرها البيانات والأرقام، أن الدول التي تعاني مشكلات اقتصادية، وارتفاع نسبة سوء التغذية بين السكان هي التي تشهد أعلى معدلات النمو السكاني، وعلى سبيل المثال، وبحسب أرقام 2022 وهي آخر بيانات متاحة، زاد تعداد سكان النيجر بنسبة 3.71 في المئة، وزاد عدد سكان جمهورية الكونغو الديمقراطية بنسبة 3.2 في المئة، في حين زاد عدد سكان أنغولا ومالي بنسبة 3.1 في المئة لكل منهما.

تنظر الدول الكبرى لتلك التغيرات الديموغرافية في أفريقيا على أنها تطور واعد بنمو اقتصادي، بمعنى زيادة الإنفاق الاستهلاكي، وتوفر سوق واسعة لمنتجات حديثة، مع زيادة عدد السكان من شريحة الشباب، لكن المشكلة أن الموارد ليست كافية لتوفير الغذاء الضروري لهذه الأعداد من السكان، بخاصة الأطفال الذين يحتاجون غالباً إلى أغذية عالية القيمة من أجل النمو السليم، لذا نجد أن هناك 63 مليون طفل تحت سن خمس سنوات في أفريقيا يعانون مشكلات صحية نتيجة سوء التغذية.

تتباين مشكلة الأمن الغذائي في دول القارة، بخاصة في تلك التي تشهد حروباً واضطرابات تضر وضعها الاقتصادي، وتبدو المشكلة أوضح في شرق أفريقيا، إذ إن نسبة 35 في المئة من السكان يعانون سوء التغذية، وفي غرب أفريقيا تصل النسبة إلى 23 في المئة.

من الأمثلة في المنطقتين، أوغندا التي تضاعف فيها عدد من يعانون فقراً غذائياً في العقد الأخير، وفي كينيا تضاعف العدد ما يقارب الضعفين (1.8 مرة) في الفترة ذاتها، أما في إثيوبيا وتنزانيا، فتضاعف عدد من يعانون الفقر الغذائي مرة ونصف المرة، ويعني ذلك هبوط 26.4 مليون نسمة في الدول الأربع في هوة سوء التغذية والفقر، من إجمالي 70.5 مليون نسمة في القارة يعانون نقص الغذاء.

الأرض والمياه

لا تقتصر المشكلة على زيادة عدد السكان، بل يفاقمها أيضاً عدم توفر إمكانات إنتاج الغذاء في القارة الأفريقية، فبحسب الإحصاءات الدولية، غالب الأراضي غير صالحة للزراعة، وتبلغ نسبة المساحة المزروعة في أفريقيا 15 في المئة فقط من مساحة القارة، وتصل مساحة الأرض الصالحة للزراعة في بعض الدول إلى نسبة متدنية جداً، ففي ناميبيا والغابون وجمهورية الكونغو لا تتعدى النسبة 1.5 في المئة من مساحة كل بلد.

يضاف إلى ذلك مشكلة الري لعدم توفر المياه للزراعة ونقص الاستثمار في تخزين وتوصيل المياه للمناطق الصالحة للزراعة. صحيح أن وصول السكان للمياه في أفريقيا تحسن في السنوات الأخيرة، وأصبحت نسبة 70 في المئة من سكان أفريقيا قادرة على الوصول إلى خدمات المياه، إلا أنه حسب إحصاءات "الفاو" ليست كل تلك المياه صالحة، فضلاً عن إمكانية استخدامها للزراعة.

وبينما تصل نسبة السكان الذين تتوفر لهم مصادر مياه صالحة للاستخدام إلى 46 في المئة في الكونغو، لا تزيد تلك النسبة على 19 في المئة من سكان جمهورية الكونغو الديمقراطية، وعن 12.6 في المئة من سكان إثيوبيا، بينما لا تتحصل سوى نسبة 5.6 في المئة من سكان تشاد على مياه صالحة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كل ذلك يجعل توفير الغذاء من إنتاج أفريقيا الزراعية مشكلة كبيرة، بخاصة مع نقص أو انعدام الاستثمارات في الزراعة أو تصنيع الغذاء من المنتجات الزراعية والحيوانية، ولا تساعد البنية التحتية التي تحتاج إلى تطوير هائل في إمكانية الوصول إلى المصادر المحلية بالشكل الذي يضمن تخفيف حدة انعدام الأمن الغذائي للسكان.

الاستيراد وكلفته

تضطر الدول الأفريقية إلى استيراد الغذاء والمنتجات الزراعية بصورة كبيرة لتوفير الحاجات الأساس، ومع مشكلات تلك الدول الاقتصادية لا يمكنها توفير الأمن الغذائي لغالبية السكان، ويعني الاعتماد على الاستيراد أيضاً أن غالب الدول الأفريقية ليست لديها ما يوصف بـ"السيادة الغذائية"، ليس فقط لعدم كفاية الإنتاج الذاتي لإطعام سكانها، ولكن أيضاً لاضطرارها الى تغيير أنماط التغذية تأسياً بأوروبا وآسيا، إذ زاد استيراد أفريقيا للرز، وهو المكون الأساس في نمط الغذاء الآسيوي، والقمح، وهو المكون الأساس في نمط الغذاء الأوروبي، على حساب تكوين الغذاء الأفريقي التقليدي.

تبقى المشكلة الكبرى هي كلفة الاستيراد، فبحسب البيانات والإحصاءات تنفق 36 دولة أفريقية معظم عائدات صادراتها تقريباً على استيراد الغذاء، وفي 19 دولة أفريقية أخرى يتكلف استيراد الغذاء ما يصل إلى نسبة 40 في المئة من عائدات صادرات تلك الدول، ومن الأمثلة على ذلك أن إثيوبيا في الفترة من 2019 إلى 2021 أنفقت نسبة 81 في المئة من عائدات صادراتها الإجمالية على استيراد الغذاء، وهذا في وقت تعاني فيه نسبة كبيرة من السكان الفقر الغذائي بالفعل.

ذلك الاعتماد على الاستيراد بهذا القدر يجعل دول القارة الأفريقية أكثر عرضة من غيرها للتعرض لأخطار الاضطرابات في سلاسل الإمدادات وعرقلة التجارة الدولية، إضافة إلى أن ارتفاع أسعار السلع المستوردة يحد من قدرة حكومات دول أفريقيا على توفير الغذاء الكافي للسكان.

اقرأ المزيد